responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 471
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ وَلَكِنَّ رَحْمَةَ رَبِّي هِيَ الَّتِي تَصْرِفُ الْإِسَاءَةَ كَقَوْلِهِ: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [البقرة: 48] إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا [يس: 44] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ الْحُكَمَاءُ فِي أَنَّ النَّفْسَ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ مَا هِيَ؟ وَالْمُحَقِّقُونَ قَالُوا إِنَّ النَّفْسَ الْإِنْسَانِيَّةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلَهَا صِفَاتٌ كَثِيرَةٌ فَإِذَا مَالَتْ إِلَى الْعَالَمِ الْإِلَهِيِّ كَانَتْ نَفْسًا مُطْمَئِنَّةً، وَإِذَا مَالَتْ إِلَى الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ كَانَتْ أَمَّارَةً بِالسُّوءِ، وَكَوْنُهَا أَمَّارَةً بِالسُّوءِ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ النَّفْسَ مِنْ أَوَّلِ حُدُوثِهَا قَدْ أَلِفَتِ الْمَحْسُوسَاتِ وَالْتَذَّتْ بِهَا وَعَشِقَتْهَا، فَأَمَّا شُعُورُهَا بِعَالَمِ الْمُجَرَّدَاتِ وَمَيْلُهَا إِلَيْهِ، فَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا نَادِرًا فِي حَقِّ الْوَاحِدِ، فَالْوَاحِدِ وَذَلِكَ الْوَاحِدُ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ التَّجَرُّدُ وَالِانْكِشَافُ طُولَ عُمُرِهِ فِي الْأَوْقَاتِ النَّادِرَةِ فَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ انْجِذَابُهَا إِلَى الْعَالَمِ الْجَسَدَانِيِّ وَكَانَ مَيْلُهَا إِلَى الصُّعُودِ إِلَى الْعَالَمِ الْأَعْلَى نَادِرًا لَا جَرَمَ حُكِمَ عَلَيْهَا بِكَوْنِهَا أَمَّارَةً بِالسُّوءِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّفْسَ الْمُطْمَئِنَّةَ هِيَ النَّفْسُ الْعَقْلِيَّةُ النُّطْقِيَّةُ، وَأَمَّا النَّفْسُ الشَّهْوَانِيَّةُ وَالْغَضَبِيَّةُ فَهُمَا مُغَايِرَتَانِ لِلنَّفْسِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ الْحَقِّ فِي هَذَا الْبَابِ مَذْكُورٌ فِي الْمَعْقُولَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: تَمَسَّكَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ الطَّاعَةَ وَالْإِيمَانَ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا مِنَ اللَّه بِقَوْلِهِ: / إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي قَالُوا دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ انْصِرَافَ النَّفْسِ مِنَ الشَّرِّ لَا يَكُونُ إِلَّا بِرَحْمَتِهِ وَلَفْظُ الْآيَةِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ مَتَى حَصَلَتْ تِلْكَ الرَّحْمَةُ حَصَلَ ذَلِكَ الِانْصِرَافُ. فَنَقُولُ: لَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُ هَذِهِ الرَّحْمَةِ بِإِعْطَاءِ الْعَقْلِ وَالْقُدْرَةِ وَالْأَلْطَافِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ فَوَجَبَ تَفْسِيرُهَا بِشَيْءٍ آخَرَ، وَهُوَ تَرْجِيحُ دَاعِيَةِ الطَّاعَةِ عَلَى دَاعِيَةِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ أَثْبَتْنَا ذَلِكَ أَيْضًا بِالْبُرْهَانِ القاطع وحينئذ يحصل منه المطلوب.

[سورة يوسف (12) : الآيات 54 الى 55]
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمَلِكِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ الْعَزِيزُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ هُوَ الرَّيَّانُ الَّذِي هُوَ الْمَلِكُ الْأَكْبَرُ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَ يُوسُفَ: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا كَانَ خَالِصًا لَهُ، وَقَدْ كَانَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ ذَلِكَ خَالِصًا لِلْعَزِيزِ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَلِكَ هُوَ الْمَلِكُ الْأَكْبَرُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
ذَكَرُوا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَخَلَ عَلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ وَقَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي مِنْ عِنْدِكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَارْزُقْنِي مِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ» فَقَبِلَ اللَّه دُعَاءَهُ
وَأَظْهَرَ هَذَا السَّبَبَ فِي تَخْلِيصِهِ مِنَ السِّجْنِ، وَتَقْرِيرُ الْكَلَامِ: أَنَّ الْمَلِكَ عَظُمَ اعْتِقَادُهُ فِي يُوسُفَ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَظُمَ اعْتِقَادُهُ فِي عِلْمِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ الْقَوْمُ عَنِ الْجَوَابِ وَقَدَرَ هُوَ عَلَى الْجَوَابِ الْمُوَافِقِ الَّذِي يَشْهَدُ الْعَقْلُ بِصِحَّتِهِ مَالَ الطَّبْعُ إِلَيْهِ، وَثَانِيهَا: أَنَّهُ عَظُمَ اعْتِقَادُهُ فِي صَبْرِهِ وَثَبَاتِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ بَقِيَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ لَمَّا أَذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ مَا أَسْرَعَ إِلَى الْخُرُوجِ بَلْ صَبَرَ وَتَوَقَّفَ وَطَلَبَ أَوَّلًا مَا يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَةِ حَالِهِ عَنْ جَمِيعِ التُّهَمِ، وَثَالِثُهَا:
أَنَّهُ عَظُمَ اعْتِقَادُهُ فِي حُسْنِ أَدَبِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: مَا بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ [يُوسُفَ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 471
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست